الأربعاء، 7 مايو 2008

جدل تاريخي حول وجود قبرها في جدة


أمـنـا حـواء.. هل مرَّت من هنا؟


إعداد: محمد الهتار- تصوير: سعيد الشهري - محمد الزهراني/عكاظ
كنا قد أشرنا إلى أن بعض الروايات لفتت إلى أن اسم مدينة جدة يعود إلى والدة الأب أو الأم اعتقادا منهم أن أم البشر حواء كانت قد نزلت وماتت فيها, مستندين في رواياتهم إلى المقبرة التي تحمل اسمها (مقبرة أمنا حواء) والتي لم نجد أي مرجع يؤكد ذلك.. فالكلام عن أشهر مقبرة في جدة, ولا أبالغ إن قلت انها أشهر مقبرة في العالم, هو أمر في غاية الصعوبة خاصة إذا كان المقصود هو اثبات صحة وجود قبر أمنا حواء فيها الذي حتى الآن يفتقد لوجود دلائل أو قرائن تؤكد وجودها في هذا المكان سوى بعض الروايات التي اشارت الى أن هذه المقبرة كان فيها قبر بثلاث قباب, هذا ما أشار اليه محمد لبيب البيتوني في مؤلفه (الرحلة الحجازية) البيتوني اوضح أن مدائن المسلمين في هذه المدينة -وكان يقصد مقبرة حواء- أن بها رأس قبر طويل خارجا الى الشمال بمسافة 150 مترا وعلى ارتفاع متر وفي عرض نحو 3 امتار وهو أشبه بقناة مسدودة من طرفها الجنوبي بثلاثة حوائط من مربع ينقصه الحائط الشمالي الذي هو من جهة القبر وطول كل حائط اربعة امتار في ارتفاع مثلها وفي كل منها شباك تخرج منه فروع عوسجة كبيرة تكاد تسد فراغ هذا المربع الذي هو مكان الرأس عندهم وفي نهاية هذا المستطيل من جهة الشمال حائط يبلغ ارتفاعه نحو 3 امتار في وسطه من اعلاه شرفة تحتها شباك يطل على القبر من جهة القدمين وفي نحو ثلثي طوله من جهة الرأس قبة يفتح بابها الى الغرب وفيها شباكان يشرفان على جهتي القبر وفي وسطها مقصورة من الخشب عليها ستر من الجوخ وفيها باب مقابل لباب القبة فتحة فيها حجر من الصوان يبلغ طوله نحو متر ونصف في عرض متر محفور من وسطه وهو أشبه شيء بناووس صغير, وأن ابن بطوطة ذكر تلك القبة دون أن يذكر شيئا من القبر فيما جاء ذكرها على لسان الرحالة الاندلسي ابن جبير الذي عاش في القرن السادس عشر من الهجرة والذي زار جدة عام 587هـ انه قد رأى موضعا فيه قبة مشيدة عتيقة يذكر انه منزل لحواء ام البشر.

الطوفان

ورغم أن البيتوني وغيره من المؤرخين لم يأت على لسان احدهم تأكيد على أن أمنا حواء دفنت في جدة وفي هذه المقبرة المسماة باسمها لكن مازال البعض حتى الآن يزعم بوجودها في هذه المقبرة التي تقع بالقرب من المنطقة القديمة التاريخية وتحديدا في حارة العمارية بالقرب من القشلة التي كانت خارج سور جدة, ومع أن معظم سكان جدة تحديدا سكان منطقة البلد, يحرصون على دفن موتاهم في هذه المقبرة لكني لم اجد لدى واحد منهم أي دليل يؤكد او يشير إلى قبر أمنا حواء حتى انهم قالوا ان حرصهم على الدفن في هذه المقبرة يأتي من شعورهم النفسي أن فيها اباءهم واجدادهم وان استمرار زيارتهم لها هو من باب العظة والتأسي بالسنة النبوية.

فالنقاش والجدل حول اثبات وجود قبر امنا حواء في مدينة جدة هو قائم منذ القديم خاصة ان ما يراد اثباته له ملايين السنين التي لا يمكن أن تعد او تحصى وتعود الى بداية خلق الله سبحانه للخليقة.. هذا ما اشار اليه ايضا (البيتوني) الذي قال في مؤلفه (الرحلة الحجازية) ان الطوفان قد غيّر معالم الارض وقلب اغلب معالمها بطنا لظهر خصوصا في الجهات البركانية التي منها هذه البلاد وهذا خلاف لمن يقول ان حواء هبطت على ساحل جدة وباستغراب قال ان المسافة بين الرأس والسُّرة في طول القبر ضعف المسافة بين السرة والقدمين وهذا مخالف لطبيعة الانسان ومخالف لشكل بني آدم وحواء في جميع أدوار حياتهم خاصة ان مؤرخي الاسلام ذكروا أن طول سيدنا ادم كان 60 ذراعا يعني 39 مترا تقريبا على حساب أن الذراع يساوي 65 سنتيمترا وهو متوسط ما قدر به العرب.

روايات مختلفة

وفي نفس السياق يقول الدكتور محمد غبان الاستاذ المشارك في قسم التاريخ بالجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة: مازلنا حتى الآن مختلفين على ما يؤكد موقع الأحقاف التي جاءت بعد سنوات طويلة من موت سيدنا آدم وأمنا حواء, فكيف هو الحال إذا كنا نبحث عن صحة موقع قبر أمنا حواء فمفهوم العقل والمنطق ينكر الكلام الذي ادعاه البعض أن العلامات التي كانت موجودة فوق احد القبور في هذه المقبرة والتي أزيلت في عهد توحيد الدولة السعودية هي عائدة لقبر أمنا حواء, لان العلامات لا يمكن أن تبقى ملايين السنين دون أن تتاثر بعوامل الطبيعة من تعرية ودفن وغرق وجفاف, وهذه العوامل جميعنا يعلم انها تكررت على موضع المكان مئات المرات خاصة بعد أن اغرق الله الأرض وانجى سيدنا نوحا عليه السلام الذي كان أول رسول بعثه الله بعد أن خلق سيدنا ادم عليه السلام فقد قال تعالى (وقيل يا أرضُ ابلعي ماءك ويا سماءُ اقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعداً للقوم للظالمين) فهذه أدلة تاريخية وثوابت واقعية تحول بين التوثيق الصحيح بنسب هذا القبر إلى أمنا حواء.

يتدخل الدكتور طلال الرفاعي عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى بمكة المكرمة وينبه إلى أن الأمر بحاجة الى دلالة علمية واقعية تؤكد أية علاقة عن ما يشاع في هذا الامر, ويقول: حتى الآن كل الروايات التي تناقلتها الأخبار وتداولتها في هذا الخصوص هي روايات مختلفة والاختلاف فيها كبير لذلك هي ضرب من ضروب الأساطير وفي الغالب من الاسرائيليات التي حفلت بها بعض كتب التفسير, حتى أن اكثر العلماء قد ضعفوا مما روي عن قصة سيدنا ادم وامنا حواء لانه لم يأت ذكر تلك الروايات في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لذلك مثل هذه الروايات فإن الأولى عدم الخوض فيها.

ويتضامن معه في القول المؤرخ عبدالله بكر ويقول ان اغلب الظن فيما تناقله البعض في هذا الخصوص أنها من الإسرائيليات التي قد تصدق وقد لا تصدق وهي الأرجح, لأنه حتى الآن لم نجد تحقيقا صحيحا في هذا الأمر وأيضا لم نر من علمائنا المسلمين وبالذات منذ البعثة النبوية حتى الآن واحدا منهم قد أشار إلى صحة تلك الأقاويل رغم أنهم اجمعوا على صحة مواقع قبور الكثير من الصحابة وبالذات قبور أمهات المسلمين.

ونفس الكلام يؤكد عليه عبدالرحمن الغامدي مدير متحف قصر خزام سابقا, الذي قال: رغم انه احد المهتمين بالتاريخ لكنه حتى اللحظة لم يجد أي تأكيد على وجود قبر أمنا حواء في هذه المقبرة “وان كل الذي وجدته هي كتابات غير مستند إليها وان جميع الشواهد تؤكد انه لا يمكن لأي إنسان أن يؤكد أن أمنا حواء موجودة في هذه المقبرة بسبب الفترة الزمنية الطويلة التي تصل إلى ملايين السنين وبسبب تبدل الأقوام وعدم وجود من كان يرصد الأحداث في تلك الأزمان وان كل ما سمعناه عن الأزمان والأقوام الذين سبقونا قد ورد ذكرهم في القرآن الكريم وفي السنة النبوية, لذلك ما يشاع في هذا الخصوص هي أقاويل متناقلة لا دليل لها”.

فيما يرى الدكتور ناصر الحارثي أستاذ الحضارة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة أن الأمر يعود إلى ما تداولته بعض الأخبار في سبب تسمية مدينة جدة بفتح الجيم بمعنى (جدة) التي تعني والدة الأب أو الأم هو السبب في هذا الادعاء الذي لابد قبل أن نخوض فيه أن نعلم جيدا أننا نتحدث عن تاريخ بدء الخليقة الذي لم يؤت أي ذكر له في القرآن الكريم أو السنة النبوية لذلك ينظر إليها علماء المسلمين على أنها أخبار انتقلت عن طريق ما يسمى بالإسرائيليات وهي التي انتقلت بواسطة أهل الكتاب من اليهود والنصارى, والموقف الصحيح من هذه الأخبار عدم التصديق.

اعتقاد خاطىء

وقبل أن نغلق ملف مقبرة أمنا حواء التي يقوم على خدمتها 15 عاملا والتي شهدت في العام الماضي اكبر دفن للموتى (2252) من أصل (8033) ميتا تم دفنهم بين 15 مقبرة موجودة في جدة, قال المسؤول الأول عن التجهيزات بأمانة جدة عادل المرواني انه لا صحة لما يشاع لوجود قبر أمنا حواء في هذه المقبرة التي فيها 2000 قبر شق وان كل الموتى المدفونين في هذه المقبرة هم أشخاص عاديون ومع ذلك لا يسلم الأمر من محاولة البعض زيارة المقبرة اعتقادا منه أن فيها أمنا حواء وهذا الاعتقاد سائد عند بعض ممن يأتي للحج من شرق آسيا, حتى أن بعضهم يحاول أن يأخذ معه بعضا من التراب إيمانا منهم أن فيها البركة والطهارة فنستعين ببعض المشايخ من الدعوة والإرشاد ومن خلال مترجم البعثة نحاول أن نقنعهم أن اسم المقبرة ليس له أية علاقة بوجود أمنا حواء فيها.

وبعد أن استمعنا لأقوال كافة الأطراف المعنيين بالمنطقة القديمة التاريخية والمهتمين بها وطرح موضوع حقيقة وجود قبر أمنا حواء في جدة بتنا في انتظار أن نحصل على رد يشير إلى اتخاذ بعض الخطوات التي تحفظ لنا ما بقي من تاريخ هذه المدينة وتعيدنا إلى ماضيها الجميل.

ليست هناك تعليقات: