السبت، 24 مايو 2008

سعوديون يتخلون عن حلم «الفيلا» ويقعون في ورطة «شقة التمليك»

سقف منزل الكفاف.. حلم مستحق اقترب من المستحيل

سعوديون يتخلون عن حلم «الفيلا» ويقعون في ورطة «شقة التمليك»

بات شائعا مشاهدة عمارات «متعثرة» تعلق لوحة «للبيع» مبكرا في مختلف المدن السعودية («الشرق الأوسط»)
جدة: منال حميدان وناهد أنديجاني /الشرق الاوسط
تتلخص أحلام الطبقة المتوسطة، رمانة ميزان المجتمع السعودي، في منزل بسيط يدفع عنهم كوابيس فواتير الإيجارات السنوية.

وهو حلم مستحق، غير أن تحقيقه على أرض الواقع يبدو في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة، مع تفجر أسعار الأراضي والعقارات، وفشل كل الجهود في لجم جموح أسعار مواد البناء، أقرب الى المستحيل.

ماجد غوث، خبير عقار في المدينة المنورة يصف ما يحدث في سوق العقار بأنه السبب الرئيس في «وأد أحلام غالبية السعوديين» ويخشى أنها لن تتحقق في المدى المنظور.

ويضيف «فئة الشباب من الجنسين تمثل 60 في المائة من المجتمع السعودي، وهم يعانون أصلاً من إشكالية في إيجاد فرص العمل المناسبة وبالتالي فإن أحلامهم في امتلاك المساكن المناسبة تراوح مكانها بين مطرقة البطالة وسندان ارتفاع أسعار العقارات ومستلزماتها بشكل جنوني».

وزاد غوث «خلال السنوات القليلة الماضية قفزت أسعار الأراضي بزيادة تقدر بنحو 100 في المائة، وأسعار البناء بدورها ارتفعت بمعدل 150 في المائة، وهي ماضية بالارتفاع، فقبل 5 أعوام كانت 800 ألف ريال كافية لشراء أو بناء منزل العمر، منها 200 ألف ثمنٌ لقطعة الأرض، والبقية لتكاليف البناء، إلا أننا اليوم نتحدث عن 400 ألف ريال على أقل تقدير ثمناً لقطعة أرض صغيرة جدا في مكان بعيد، وما يقارب الـ 800 ألف تكاليف بناء، وإذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، فلن يكون على الجميع إلا أن يجعلوا حلم الثراء والسعي لتحقيقه يأتي أولا حتى يتمكنوا من تحقيق حلم امتلاك منزل بسيط».

وبحسبة بسيطة على ضوء معطيات غوث، فإن موظفاً دخله الشهري 4000 ريال، (متوسط دخل حوالي الـ60 في المائة من الموظفين السعوديين) يحتاج إلى 200 شهر، أي 16 سنة لتحقيق حلمه بامتلاك منزل يكلف الحد الأدنى 800 ألف ريال، من دون الإشارة إلى مصروفات الحياة اليومية، وثمن الإيجار، وفواتير المنزل والمدارس ونفقات العلاج ووقود السيارة من ناحية، ومن ناحية أخرى ارتفاع أسعار العقارات ومواد البناء المطرد.

ويبدو أن هذا الارتفاع الفلكي قد جعل من الواقعية الشديدة مذهباً فكرياً شديد الشيوع في أوساط الشباب كما يقول فيصل العنزي، وهو شاب يحكي عن طموحاته قبل 8 سنوات وهي الفترة التي قدم فيها إلى جدة للالتحاق بعمله بأحد القطاعات الحكومية الحيوية، يقول ان أحلامه كانت تتمحور حول امتلاك فيلا متوسطة الحجم فاخرة مطلة على البحر، لكنه لم يلبث أن أعلن عن تعديل بسيط في خطته الطموحة بناءً على معطيات الواقع، راضياً أن يمتلك فيلا صغيرة في أحد الأحياء الداخلية لجدة، ليواجه من جديد ارتفاع أسعار الأراضي، وغلاء مواد البناء الأساسية، ليتنازل عن حلمه من جديد قانعاً بشقة واسعة يستطيع استضافة ذويه فيها خلال العطلة الصيفية، رغم ارتفاع أسعار الشقق وغلائها وهو ما دفعه إلى أن يركز جهوده ويبدو ان جميع هذه الظروف أقنعت السعوديين بالتوجه الى شقق التمليك بعد ان كانت حلا مرفوضا لدى الغالبية في ظل رغبة كاملة في تملك عمارة او فيلا كاملة لكل اسرة.

الاسعار ونشاط شركات التمليك الواسع وعروض البنوك التوريطية لعقود طويلة، كلها أمور جعلت خيار شقق التمليك خيارا أول لدى الغالبية. وعلى طريقة مكره اخاك لا بطل، انكمشت أحلام السعوديين مع تضخم الأسعار الحاصلة في السوق العقاري السعودي الذي ارتفع بشكل جنوني ومخيف، فبعد حلم الفيلا والحديقة، اصبح المطلب اربعة جدران تؤوي وتخلص من اسعار الايجار وتجير من ظروف المستقبل.

يقول رضا سرحان مدير التسويق بشركة التطوير العمراني في حديث لـ«الشرق الأوسط»: بات من المستحيل للبعض تحقيق حلمه في شراء بيت واستثماره أو فيلا أو أرض لبنائها، فكان لا بد من هذه الحلول التي ظهرت قبل سنوات وبدأت من مدينة جدة كخيار آخر من أجل تملك البيت بدل الاستنزاف المادي نهاية كل ستة أشهر نتيجة الإيجارات، فظهرت الفيلا دوبلكس بمساحة صغيرة قد لا تتجاوز الـ400 متر مربع، وتملك شقة بعد أن كانت من الأمور المستبعدة لدى السعوديين.

وهذا كما يقول سرحان هو الذي شجع الشركات الاستثمارية العقارية على بناء الأبراج السكنية المطلة على كورنيش جدة، ثم بيع الوحدات السكنية بعد أن نجحت فكرة تملك الشقق داخل الأحياء. ويتفق معه فهد بامنصور، مسؤول بقسم التسويق بشركة بتر هومز، حول انكماش أحلام الشاب السعودي ويقول: الواقع خير دليل على هذا الحال، فتملك البيوت ذات المساحة الكبيرة صار نادرا جدا هذه الأيام، والحلول العقارية الأخرى باتت تجد إقبالا أكثر على الرغم من ضعف الإقبال هذه الأيام نتيجة ارتفاع الأسعار، فمثلا الفيلا الدوبلكس مساحتها من 300 إلى 400 متر مربع وبأسعار تتراوح بين مليون ومليون و200 ألف وهكذا، معتمدة على موقعها والخدمات المتوفرة.

ويضيف بامنصور: الشقق السكنية للتمليك نجحت فكرتها أخيراً في السعودية، مما دفع بعض أصحاب العمائر السكنية المخصصة للإيجار بتحويلها للبيع، كما أن فكرة بناء شقة بنظام فيلا، آخر دور في العمارة لاقت قبولا كبيرا في السوق السعودي وكانت فكرة ذكية جدا وسعرها يصل إلى المليون ريال.

وحول ضعف تملك البيوت على الرغم من قوة الدعايات والإغراءات لشراء وتملك بيت العمر، يقول السرحان: الناس ما زالوا مصدقين كذبة وشائعة انخفاض أسعار العقار قريبا، فالحقيقة أنها ستزيد في السنوات المقبلة.

ويظل الخيار الأخير وهو شقة التمليك وان بدا سهلا، ورطة حقيقية طويلة المدى وسجنا دخله الكثير من السعوديين، خاصة في ظل غياب كل مقومات الرقابة والحماية القانونية لهم، حيث إن غالبية الشقق لا توفر اشتراطات البناء الصحيحة، وهو ما يؤكده وجود عدد من القضايا المرفوعة في محكمة جدة ضد اصحاب مبان بيعت الى مواطنين كشقق تمليك، اكتشف فيما بعد وجود عيوب للبناء فيها.

ويأتي ذلك في وقت ما زالت محكمة جدة الكبرى تنظر قضية منظورة من متضررين ضد مالك، باع عمارة كشقق تمليك في مخطط الحرمين تبين فيما بعد وجود عدد من أوجه الخلل فيها.

وقال احد المشترين المتضررين في وقت سابق: انه دفع نصف مليون ريال وبعد نحو ستة اشهر من تسلم شقته فوجئ بتسربات مائية في سباكة دورات المياه والمطابخ وتلف توصيلات الكهرباء وتخلخل طبقة السيراميك، وبمواجهة المالك لم يتجاوب معه ومع بقية المشترين بإصلاح الخلل.


ليست هناك تعليقات: