السبت، 24 مايو 2008

بيوت «العظم» تتحول إلى ظاهرة في المدن السعودية.. وبعضها تجاوز الـ10 سنوات


ملاكها يقولون «لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا».. والناس لا تشتريها خوفا من «الأشباح»

الدمام: إيمان الخطاف/الشرق الاوسط
«مطلوب بيت عظم».. اعلان شهير ذاع صيته أواخر التسعينات في الصحف السعودية، لكنه بدأ في الإختفاء اليوم، نتيجة تزايد عدد بيوت «العظم» المعروضة للبيع، وتوقف أصحابها عن إكمالها لسنوات طويلة، فيما يمتنع بعض الناس عن شرائها خوفاً من أسطورة أن تكون هذه البيوت المهجورة مسكونة بالأشباح، والتي تحولت اليوم إلى ظاهرة لافتة في المدن السعودية، حيث تركزت داخل أحيائها المباني الاسمنتية بلونها الرمادي الشاحب.

وبينما يكاد يصبح مظهر مباني العظم مألوفاً لدى أكثرية السعوديين اليوم، يقلق الخبراء والمختصين من أن تتسع ظاهرة البيوت المهجورة بشكل مخيف، وتتحول إلى قنابل موقوته، تنافس في خطورتها ظاهرة العشوائيات في مصر ومنازل الصفيح في سورية، خاصة مع كثرة الضوابط الأمنية التي سجلت داخل المباني التي هجرها أصحابها لفترة طويلة، كما يرى الدكتور غازي العباسي، رئيس مركز البحوث في كلية العمارة والتخطيط بجامعة الملك سعود وعضو مجلس إدارة الجمعية السعودية لعلوم العمران، مؤكداً أن عدم وجود تطوير عقاري بالمعنى الحقيقي بعثر جهود الجهات المعنية، مما أوجد زيادة بعدد المقاولين على حساب المطورين العقاريين، وأثر على مظهر البيئة السعودية العمراني وكوَّن مخططات وأحياء مليئة بالفراغات، بحسب قوله.

وتعليلاً لتفشي ظاهرة مباني العظم، قفزت ارتفاعات تكلفة مواد البناء والتشييد على قمة الأسباب التي يراها الدكتور العباسي باعثاً لانتشار بيوت العظم وخلق أزمة إسكان جديدة في السعودية، رغم كونها مشكلة دولية، مضيفاً في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن السعوديين اليوم بحاجة لتحديث مفهوم ثقافة السكن والتملك، وهي ثقافة أكد أنها تختلف من دولة لأخرى، مستشهداً باعتماد غالبية الشعب البريطاني على تملك المساكن لطبيعتهم المستقرة في حين يفضل معظم سكان الولايات المتحدة الأميركية الوحدات المؤجرة، وهو الأمر الذي أوضح بأنه غائباً عن حسبة المواطن السعودي الذي لا زال يؤمن بمفهوم التملك كمعنى للسكن.

ويعتقد الدكتور العباسي أن الحاجة الملحة لتغيير ثقافة المواطن السعودي إزاء المسكن تأتي بعد تضاعف أعداد النازحين من الهجر والمحافظات إلى المدن الرئيسية خلال السنوات الأخيرة، حيث أوضح أن حوالي نصف سكان هذه المدن اليوم هم من هؤلاء النازحين، والذين يمتلك غالبيتهم مسكناً بالتملك في ديرته الأم، بينما يبحث عن مسكن جديد بالتملك أيضاً، وهو ما يراه يضاعف من حجم المشكلة.

وبينما تشير التقارير الاقتصادية الحديثة إلى انخفاض نسبة تملك السعوديين للمساكن إلى نحو 25 في المائة من إجمالي المواطنين، يؤكد الدكتور العباسي أن هذه النسبة مبالغ بها، ويعتقد أنها بحدود الـ50 في المائة فقط، تشمل أصحاب البيوت المكتملة والأخرى التي لا زالت في مرحلة «العظم».

فيما يرى محمد الدوسري، الذي دخل عامه الثامن وهو يحلم باكمال بيته، أنه وصل لقناعة اليوم من أن امتلاكه لبيت عظم طيلة هذه الفترة أمراً اعتيادياً بل وجيداً، وأرجع الدوسري وضعه الحالي للظروف المادية مع التضخم وغلاء المعيشة، إلا أنه لا زال يأمل باليوم الذي يستطيع فيه إكمال منزله، مضيفاً بأن أكثرية أصحابه هم في مثل حالة، وأفاد بأن أحد معارفه دخل بيته وهو عظماً عامه العاشر تقريباً دون أن يحدث فيه أي تغييرات، وأردف بأنه فكر في بيعه لكنه لم يجد لبيته مشترٍ لاعتقاد الكثير من الناس أن الأشباح تسكن البيوت المهجورة لسنوات طويلة.

من جانبه، أوضح يحي الجريفاني، مالك مكتب الجريفاني للعقارات وإدارة الأملاك بالرياض، لـ«الشرق الأوسط»، أن التضخم وغلاء الأسعار ليس السبب الحقيقي وراء تفشي ظاهرة بيوت العظم مثلما يعتقد الأكثرية، مؤكداً أن المشكلة تكمن بكون الكثير من الناس انجرفوا خلال العشر سنوات الماضية للبناء في أحياء ومخططات لا زالت حتى الآن تئن تحت وطأة الوعود بإيصال الخدمات (المياه، الكهرباء، الاتصالات) والتي لم تصلها طيلة هذه السنوات، فيما يتساءل الجريفاني قائلاً «ما الذي سيدفع الناس لاكمال بيوتهم في أماكن بلا خدمات؟».

وأكد الجريفاني أن عدد المخططات التي بلا خدمات داخل المدن الرئيسية في السعودية لازال في تزايد مستمر، مع انتشار الإعلانات الوهمية التي جذبت الكثير من الناس لشراء الأراضي والبناء فوق مواقع ميتة «خدمياً»، مضيفاً بأن المضاربة على الأراضي دخلت أيضاً على الخط، ورفعت من قيمة وأسعار المتر لتضاعف من أزمة الإسكان في السعودية، التي يرى أنها لا زالت في بدايتها، في حين يعتقد الكثير من السعوديين أن توقفهم عن استكمال مبانيهم حدثاً مؤقتاً، ولسان حالهم يقول «لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا».

ورغم أن ظاهرة مباني «العظم» ظلت لسنوات محصورة على الأحياء الجديدة، إلى أن انتقالها إلى الأحياء الراقية والمكتظة بالسكان يدفع المختصين للتساؤل عن البعد العمراني الذي ستشهده المدن السعودية خلال السنوات القليلة المقبلة، مطالبين بضرورة مُساءلة ومتابعة أصحاب هذه المباني التي دخلت مرحلة وقف التنفيذ، حتى لا تتحول بمرور الوقت إلى قنابل موقوته تهدد أمن وراحة الناس.

ليست هناك تعليقات: