السبت، 22 مارس 2008

لا حاجة لامتلاك الطريق .. فقط عليك بكشك تحصيل الرسوم


- جون كاي - 14/03/1429هـ فاينانشال تايــــــــمز-الاقتصادية
في الأسبوع الماضي أوضحت العملية الحسابية التي جعلت وارين بوفييه أغنى رجل في العالم سحر الفائدة المركبة على مدى أربعة عقود، بناء على مواصلة التفوق في الأداء الاستثماري، مع أسلوب حياة بعيد عن البذخ والإسراف، حول مبلغاً متواضعاً من المال إلى ثروة هائلة.

لكن السؤال الأكبر يكمن في اقتصاد العمل. فما السر في النجاح الاستثماري الذي حققه بوفييه؟
كثيرا ما يتم تعريف بوفييه بأنه وريث معلمه بنجامين جراهام، الذي كان يؤكد على الاستثمار الذكي المبني على القيمة الأساسية.

لكن في أيام جراهام كانت القدرة على قراءة الميزانية العمومية للشركة تجعل المستثمر ذكياً.

فكثيرا من شركات التداول بيعت في السوق بأقل من القيمة التي يمكن أن تحققها أصولها.

وكما أدرك جراهام عند وفاته عام 1976، تلك الأيام ولّت.

كان الإنجاز المهم الذي حققه بوفييه هو أنه أدرك في وقت مبكر وعلى نحو أوضح من غيره أن كل الميزانيات العمومية لم تعد تحمل المعنى القديم الذي كانت تحمله.

وكانت الشركات التجارية الكبرى تجد منطقا في القدرة على تمويل وتشغيل المصانع الكبرى. وكانت العوائد على حملة الأسهم هي المكافأة التي يتم الحصول عليها من توفير المصنع والآليات.

أما اليوم، فلدينا رأسمالية بدون رأسمال. فمعظم الشركات الكبرى لا تصنع الأشياء، بل تقدم الخدمات.

وقليل من الشركات تملك المباني والمرافق التي تعمل فيها. ولم تعد العوائد على حملة الأسهم دفعات مقابل استخدام مصنعها، بل مكافآت لهم على ما يتحملون من خطر وما يحملون من أسهم في الريع الاقتصادي.

ورأس المال الذي يضعه المستثمرون في سوق الأسهم لا يمول الآن الاستثمارات المنتجة بل يشتري حصة أو سهماً في مصادر ربح مترسخة.

إن أول ضربة استثمارية كبرى حققها بوفييه، وحالفها النجاح في شركة أميركان إكسبرس، كانت إدراكه أن الشركة لم تمتلك اسم علامة تجارية أسطورية فحسب، بل أن المكانة السوقية التي أوجدتها لنفسها كان من الصعب جداً أن تتكرر.

وبالنسبة للعميل، لم يكن هناك معنى لأن يحمل شيكاً سياحياً غير ذلك الشيك الذي يلقى قبولاً واسعاً، وهو شيك أميركان إكسبرس. وعمدت الشركة إلى تفعيل علامتها التجارية في سوق أخرى ـ البطاقات البلاستيكية ـ بخصائص مشابهة.

لم تكن الأصول غير الملموسة مهمة فحسب، بل إن عدم إمكانية إعادة إنتاجها حدد أيضا قيمتها في المدى الطويل.

ذلك أن حماية خندق شركة أميركان إكسبرس، كما يدعوه بوفييه، أعطى السهم قيمة استثنائية.

ويذكر كاتب سيرة حياة بوفييه أن وارين الشاب اشتكى ذات مرة من أن أصدقاءه من عائلة راسيل لم يكونوا يجنون إلا الضجيج من حركة المرور والمارة الذين يمرون بجانب منزلهم، فقال لهم: "عار عليكم ألا تجنوا أية أموال من الناس الذين يمرون في محيط منزلكم". لقد أبدى طالب المدرسة هوساً بالعمل التجاري ربما كان غير صحي، لكنه أدرك في وقت مبكر أيضا أن المدير لا يحتاج إلى السيطرة على نشاط بأكمله حتى يجني منه الربح. إنك لست بحاجة إلى أن تمتلك الطريق، بل الكشك الموجود على الشريان المروري.

وكانت العلامة التجارية، وأنظمة العمل والعلاقات مع العملاء والموردين هي النظير العملي للنقطة التي يجب أن تمر فيها جميع السيارات.
وهكذا ركزت إمبراطورية بوفييه على الشركات التي تتمتع بمراكز لا يمكن أن تتكرر.

فشركة ديزني بأنموذجها الذي لا يمكن تقليده، وصحيفة واشنطن بوست، والصحف والإذاعات المحلية المهيمنة في محيطها، والشركات ذات العلامات الاستهلاكية القوية، مثل كوكا كولا وجيليت، لم تنل اعتراف المستهلكين بها فحسب، لكنها كانت أيضا مترسخة في شبكات التوزيع.
وكانت شركة أميركان إكسبرس تتمتع أيضا بميزة ثانوية استحوذت على اهتمام بوفييه.

فالناس كانوا يدفعون قيمة الشيكات مقدماً ويصرفونها في وقت لاحق، إن صرفوها فعلا، وبذلك ولدت الشركة شيكات يمكن أن تحقق الشركة عوائد منها. فكما يمكن أن تكون هناك أصول بدون رأسمال، يمكن أن تكون هناك أموال نقدية بدون أصول.

وقادت فكرة الشيكات شركة بيركشاير هاثاواي إلى دخول مجال التأمين، وكانت فكرة جراهام الرئيسية - التي تقول إن أسعار السوق تختلف بأكثر من القيم الأساسية وكثيراً ما يكون ذلك بشكل مستقل عن هذه القيم – مناسبة في ذلك المجال كما في أسواق الأسهم.

إن النجاح الذي حققه بوفييه يثبت ضعف إحدى النظريات الاقتصادية، وهي نظرية قوة فرضية السوق، كما يثبت قوة نظرية أخرى – هي نظرية الدور المركزي الذي يلعبه السعي وراء الريع الاقتصادي والدفاع عنه في حياة الشركات الحديثة.

على أن وجهة النظر الأولى تظل أكثر شعبية من الثانية لدى الخبراء الاقتصاديين.

وقد أصبح بوفييه أول رجل في التاريخ الاقتصادي يستغل جدلاً اقتصادياً لتكوين ثروة شخصية كبيرة .

ليست هناك تعليقات: